سورة الرعد - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال} الآية: جواب لو محذوف تقديره: لو أن قرآناً على هذه الصفة من تسيير الجبال، وتقطيع الأرض وتكليم الموتى لم يؤمنوا به، فالمعنى كقوله: لا يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية، وقيل تقديره: ولو أن قرآناً على هذه الصفة لكان هذا القرآن الذي هو غاية في التذكير ونهاية في الإنذار كقوله: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدِّعاً} [الحشر: 21]، وقيل هو متعلق بما قبله والمعنى، وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآناً سيرت به الجبال {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} معناه أفلم يعلم وهي لغة هوازن {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ} يعني كفار قريش {قَارِعَةٌ} يعني مصيبة في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، أو غزوات المسلمين إليهم {أَوْ تَحُلُّ} الفاعل ضمير القارعة. والمعنى إما إن تصيبهم، وإما أن تقرب منهم، وقيل التاء للخطاب، والفاعل ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أظهر {حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله} هو فتح مكة، وقيل قيام الساعة.


{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)}
{وَلَقَدِ استهزئ} الآية مقصدها تأنيس وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حيث وقع {فَأَمْلَيْتُ} أي أمهلتهم {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هو الله تعالى أي حفيظ رقيب على عمل كل أحد، والخبر محذوف تقديره: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق أن يعبد أم غيره؟ ويدل على ذلك قوله: وجعلوا لله شركاء {قُلْ سَمُّوهُمْ} أي اذكروا أسماءهم {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض} المعنى: أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم هو فليسوا بشيء، فكيف تفترون الكذب في عبادتهم، وتعبدون الباطل، وذلك كقولك: قل لي من زيد؟ أم هو أقل من أن يعرف فهو كالعدم {أَم بظاهر مِّنَ القول} المعنى أتسمونهم شركاء بظاهر اللفظ من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم} [النجم: 23] {لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياوة الدنيا} يعني بالقتل والأسر والخوف وغير ذلك.


{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)}
{مَّثَلُ الجنة} هنا وفي القتال [محمد: 15] صفتها، وليس بضرب مثل لها، والخبر عند سيبويه محذوف مقدم تقديره: فيما يتلى عليكم صفة الجنة، وقال الفراء: الخبر مؤخر، وهو تجري من تحتها الأنهار {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} يعني ما يؤكل فيها من الثمرات وغيرها والأكل. بضم الهمزة المأكول، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها، والأكل بفتح الهمزة المصدر {والذين آتيناهم} يعني من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه وقيل: يعني المؤمنين والكتاب على هذا القرآن {وَمِنَ الأحزاب} قيل: هم بنو أمية، وبنو المغيرة من قريش والأظهر أنها في سائر كفار العرب، وقيل: هم اليهود والنصارى؛ لأنهم لا ينكرون القصاص والأشياء التي في كتبهم، وإنما ينكرون البعض مما لا يعرفونه أو حرفوه {قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله} وجه اتصاله بما قبله أنه جواب المنكرين، ورد عليهم كأنه قال: إنما أمرت بعبادة الله وتوحيده، فكيف تنكرون هذا {مَآبِ} مفعل من الأوب وهو الرجوع، أي مرجعي في الآخرة أو مرجعي بالتوبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8